الأحد، 29 أبريل 2012

من فقه الحرية بقلم أحمد بن سيداتي

في الوقت الذي يجتهد فيه كثير من الناس من أشباه المثقفين والفقهاء  في الدفاع عن الدكتاتورية وتبرير الاستبداد وظلم الشعوب وخنق حريتها في جهل أو تجاهل كامل لما تؤصل له الشريعة الإسلامية من فقه الحرية وتحريم الظلم ، كان لزاما على أصحاب التخصصات الشرعية وذوي الأقلام  الحرة أن يباشروا الكتابة تبيانا لفقه الحرية والعدل ودفاعا عن الا سلا م أن يلصق به ما ليس منه بحال، وبحكم ذالك أشرع في الكتابة في الموضوع
الإسلام لا يحمي الظلم والاستبداد:
الإسلام لا يحمي الظلم ولاستبداد والدكتاتورية إنما يكرم الإنسان ويحميه من أن يظلم أو تخدش حريته وكرامته (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم
فلا تظالموا ) حديث قدسي أخرجه مسلم (ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا) الفرقان الآية 19 والظلم هنا عام كما قال  ابن عطية ويقول الله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الإسراء الآية 70 وانطلاقا من هذه المبادئ يحمي الإسلام للفرد والمجتمع حريته وكرامته في شتى المجالات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية مع تهذيب بديع للسلوك الإنساني حتى يكون الإنسان على قدر كبير من السمو وقوة الوازع الإيماني فيصون حقه وحقوق الآخرين بلا وكس  ولا شطط حاكما كان أو محكوما لأن الحاكم ليس إلا جزءا من الأمة وخاضعا لسلطانها ومحاسبتها بإمكانها تقويمه متى اعوج ولو بحد السيف وهنا أسوق مثالين من سيرة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عنوان العدل ورمز الحرية – تاركا للقوم أن يضربوا الأمثلة من سيرة الحجاج- عمر الذي كان يرى أن من حق أي فرد من أفراد الأمة أن يراقبه ويقوم اعوجاجه ولو بحد السيف وأن الرأي مشترك بين الناس
-         قام الفاروق رضي الله عنه يوما في الناس خطيبا فقال:(أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه فقام له رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا فقال  عمر الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه ).
-         وقد لقي رضي الله عنه يوما رجلا فقال: ما صنعت ؟ قال قضى علي وزيد بكذا قال:لو كنت أنا لقضيت بكذا قال :فما يمنعك والأمر إليك قال: لوكنت أردك إلى كتاب الله وسنة نبيه لفعلت ولكنه الرأي والرأي مشترك.  
وقبل الفاروق كان الصديق رضي الله عنهما وهذا خطابه عند ما ولي ( أما بعد أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ...أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإذا عصيته فلا طاعة لي عليكم ).
وهما بذالك يترجمان خلاصة ما وعياه من رسول الله صلى الله عليه وسلم  وما فهما من كتاب الله تعالى  وما أرى ذالك الرجل الذي قام إلى عمر إلا صاحب فقه عميق وإدراك  واع لمضامين القرءان الذي يشنع على الذين يرضون  بالظلم  والاستخفاف وينعتهم بالفسق ويجعل مصيرهم مشتركا مع الذين ظلموهم واستخفوا بهم ,ويأنف من ذالك ولا يرضى به لخير الأمم لأنه قرأ في القرءان قول الله تعالى في شأن فرعون وقومه  ( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين )الزخرف الآيات 54 -56  وسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأيت أمتي تهاب فلا تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم ) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولم ينقل من الصحابة إنكار عليه فهو إجماع منهم، وهو فقه أصيل حافظ عليه المحققون والعلماء الربانيون من هذه الأمة على مر العصور رغم ما تعرض له فقه السياسة ,والحرية من تكيف مع ظروف الزمان والمكان وما وقعت فيه الأمة من بعد عن فقه الحرية  الذي كان عند الرعيل الأول بل وما وقعت فيه  من الانحراف الفكري والسياسي أو ما يصفه الدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي ب"الوثنية السياسية" بالرغم من كل ذالك ظل هناك علماء يؤكدون أن الحاكم خاضع لسلطان الأمة وأجير عندها تعزله وجوبا متى فسق أو استبد ورفض مشورة العلماء وأهل الخبرة ، ومن الذين قالوا بذالك الإمام أبو الحسن الأشعري -يا أشاعرة- وإمام الحرمين الجو يني كما ذكره عليش في شرحه للإضاءة ,وابن الأعمش في شرح السنوسية,ونقل ابن عطية في تفسيره أنه لا خلاف في ذالك حيث قال في تفسير قول الباري سبحانه((وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)) آل عمران  الآية 159 "الشورى من قواعد الشريعة ,وعزائم الأحكام" ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب هذا مالا خلاف فيه>,ونقل القرطبي رحم الله الجميع هذا الكلام عن ابن عطية على وجه التسليم ولو ذهبت أتتبع كلام العلماء في هذا لطال الكلام .
فتعالوا يا سادتي فقهاء العصر صفوا كل هؤلاء بالمروجين لفكر الخوارج ,ودعاة الفتنة ,وتمزيق البلاد ,وتساءلوا عن سنيهم وأعمارهم ,وفي الوقت ذاته صفوهم  بالتخندق السياسي ,وتسخير الفتوى للحسابات السياسية ,وذكروهم بأن موريتانيا مختلفة عن كل الشعوب والدول, وطالبوهم بالصمت ,وتعالوا أنتم أيها المثقفون صفوهم بالتقليد السياسي الأعمى إلى غير ذالك من النعوت .
                                            


                                                                         أحمد سيداتي باحث في الدراسات الإسلامية.                             
   
  

0 التعليقات:

إرسال تعليق