لحظة تاريخية فاصلة تلك التى أعلن فيها المستشار فاروق سلطان، رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، محمد مرسى رئيسا لمصر.. نجاح محمد مرسى بالمنصب وإن كان بنسبة ضئيلة يعنى أن الثورة المصرية قد حققت أحد أهم أهدافها، وهى أن يحكم مصر واحد من الشعب المصرى، واحد يختاره الشعب خيارا حرا، واحد من الناس العاديين لم يكن على الإطلاق يراود حلمه، وهو الذى كان مطاردا من النظام على مدى عشرين عاما، أن يكون هو رئيس مصر، لكننا نريد من الدكتور محمد مرسى ألا ينسى أن الشعب اختاره حتى يحقق ما يصبو الشعب إليه من عيش كريم وحرية وعدالة اجتماعية، وعليه أن يكون رئيسا لكل المصريين وأن ينسى أنه من الإخوان المسلمين؛ لأنه لم ينجح بأصوات الإخوان وإنما بأصوات الشعب.
إننا نذكر محمد مرسى بوعوده التى قطعها على نفسه قبل أيام، وهى أن نوابه لن يكون أى منهم من الإخوان المسلمين وأنهم سوف يكونون من النسيج الاجتماعى والثقافى والدينى المصرى، وأن رئيس الحكومة سوف يكون شخصية وطنية يُشهد لها بالكفاءة بعيدا عن الإخوان، وأن الوزراء سيغلب عليهم الوطنية والاحتراف ولن يشكل الإخوان أغلبيتهم، كما عليه أن يحل ما يتعلق بأزمة الدستور ومجلس الشعب وكل الأزمات الأساسية القائمة.
الأمن ثم الأمن ثم الأمن هو أول ما يجب على مرسى أن يرسخه؛ لأنه التحدى الأكبر أمامه، به يستقر الاقتصاد، وتستقر حياة الناس، وتبدأ عجلة الحياة بالدوران للأمام وتخطو مصر خطواتها نحو النهضة التى قال الإخوان إن مشروعهم الأساسى هو مشروع النهضة للأمة، على مرسى أن يدرك أن النظام الفاسد السابق قد همش معظم الخبراء والمبدعين المحبين لبلادهم داخل مصر وخارجها، وإذا كانت التقارير الرسمية قد أشارت أكثر من مرة إلى أن هناك ما يقرب من مليون عالم وخبير مصرى مهاجر حول العالم فإن من حق هؤلاء فى هذه اللحظة التاريخية أن يقدموا ما يستطيعون لمصر وأن يتم الاهتمام بهم وتقديرهم والاستفادة منهم، كذلك الاستفادة من كل خبير فى مجاله، وأود أن أذكر قصة مهمة هنا هى أننى فى عام 2003 قمت بزيارة لرجب طيب أردوغان فى تركيا قبيل اختياره رئيسا للوزراء؛ حيث كانت لديه مشكلة قضائية تم حلها بعد ذلك وتولى رئاسة الحكومة فوجدت أنه يستعين بالمسئول الإعلامى لرئيس الوزراء الأسبق بولنت أجاويد مديرا لمكتبه الإعلامى وليس المسئول الإعلامى فى حزب أردوغان؛ لأن هناك فارقا كبيرا بين إدارة الدول وإدارة الأحزاب، وعلى الدكتور محمد مرسى أن يستعين بالشخصيات الوطنية التى لديها علم بإدارة الدولة ودواليبها وأن يعين بجوارها من شباب مصر وأبنائها من يتحملون المسئولية ويأخذون الخبرة الجيدة، وأن يبتعد، قدر المستطاع، عن العلاقات الشخصية والتعيينات التى تقوم على المجاملات والتراضى؛ لأنه الآن فى موضع الأمانة.
الكل يتنظر من محمد مرسى أن يفى، ليس بوعوده الشخصية التى قطعها، وإنما بوعود الإخوان المسلمين للشعب المصرى، أن يتركوا الحريات الشخصية للناس على ما هى عليه وألا يكرهوا أحدا على شىء لا يرتضيه ما دام لا ينال من الحق العام أو تقاليد المجتمع، وألا يزج برجالهم وأعضائهم فى أركان الدولة ليستبدلوا بالحزب الوطنى جماعة الإخوان المسلمين، وإنما الفرصة للأكفأ، والوظيفة لمن يستحقها أيا كان عرقه أو انتماؤه.
إن نصف المصريين تقريبا لم يصوتوا لمحمد مرسى، لكن عليه أن يمد يديه إليهم ويستفيد بخبرات الخبراء منهم، وألا يعادى أحدا ولا ينتقم من أحد، وإنما يقر القانون والعدل، على مرسى أن يختار حوله الخبراء دون نظر لانتماءاتهم، على مرسى أن يحاسب قتلة الشهداء ويقف إلى جوار المظلومين والفقراء والمضطهدين وأن يتذكر جيدا أن طبقة المهمشين يجب أن تخرج من هذه الدائرة.
لم أتلق على هاتفى حجما من الاتصالات والتهانى من أنحاء العالم على نجاح مرسى بهذا القدر منذ الاتصالات والتهانى التى تلقيتها من أنحاء العالم يوم سقوط مبارك، وهذا يعنى أن كل العرب والعالم عيونهم على مصر.. إن مسئولية مرسى كبيرة وكل المخلصين من هذا الشعب عليهم أن يقوِّموه إذا أخطأ ويعينوه إذا أصاب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق