هل يضر الشيخ خليلا بن إسحاق وقد انتشر فقهه في الآماد وارتبط بتاريخ إفريقيا المسلمة والمغرب العربي وأجزاء كبيرة من مصر والخليج إذا امتدت يد حانقة إلى نسخة منه أو اثنتين على الأكثر فأحرقتها، ثم ذرت رمادهما في الهواء وتعالت صيحات الاستحسان لهذا العمل غير المنطقي وغير الحضاري وغير العلمي.
وهل يضر المدونة وابن عاشر أن تحرقه أيدي بعض الحانقين في
ساحة عمومية قبل أن تمتد أيد آثمة إلى رجل هاله المشهد فتوسعه ضربا قبل أن
تصرخ كفرنا بدين البيظان ... ليس في الإسلام دين للسودان ولا آخر للبيظان
...لكنه دين الجميع ..وفي الناس حكمة وعقل وفيهم نزق وجاهلية ...ولقد امتدت
يد الجاهلية بشكل بشع لتحرق بعض الكتب ...رمتها أرضا كما ترمى الضحايا
المقيدة ..ثم امتدت ألسنة اللهب فالتهمت الأوراق الصفراء .. يالها من نار
مجنونة
صحيح أن لحرق الكتب سوابق في
التاريخ الإنساني والتاريخ الإسلامي فقد أحرق بعض فقهاء المالكية من
المرابطين كتب ابن حزم، لكن ابن حزم أطل من ركام كتبه ودخانها أعلى صوتا
وأبلغ تأثيرا.. وأحرق الموحدون كتب الغزالي ... فمنحوها عمرا جديدا
...وأحرق آخرون كتب ابن رشد فتناولها الناس بالإقبال والدراسة ونظروها بعين
الرضا الأًصيل... وأحرق بعض الموريتانيين كتب ابن تيمية، وحكم آخرون على
كتب محمد الخضر بن مايابي بمصير مماثل، ثم نال تلك الكتب من الشهرة
والحضور ما لم ينله غيرها... وفيما ينتهي المحرقون إلى دهاليز النسيان
ويختفون مع آخر خيوط الدخان..تعيد الكتب نفسها وتمد أعمارها في الآماد
وصحيح
أكثر أن حرق نسخة أو نسختين هو عمل رمزي.. يوصل رسالة بالغة السوء ..وصحيح
أكثر أن متن خليل في صدور الموريتانيين أصيل لا يحترق ..وأن ابن عاشر
والمدونة يجددان شبابهما كل حين ..مع محاظر موريتانيا ومعاهدها ..
ليس
لحرق الكتب، وخصوصا تلك الكتب الأثيرة في الفقه المالكي من تفسير إلا ذلك
التضييق التقليدي الذي الأصل فيه " ضيق الباع وقلة العلم والاطلاع".. ولن
يؤدي إلى نتيجة إيجابية مطلقا بقدر ما يوسع الشرخ بين الخطاب المتطرف
لأصحاب هذا الطرح، وبين المجتمع بكل فئاته..ولن تحرق تلك النار المجنونة
فقه خليل ولا انتشاره في حياة الموريتانيين ولا ترسخه في أذهانهم وملكاتهم
الفقهية والاجتماعية... لن تحرق تلك النار الآثمة إلا موقدها.
قد
يرضي شريكا غربيا لا يرى في الإسلام وتراثه إلا الظلامية الكاملة، وقد
يرفع حماس أتباع يحتاجون نور العلم أكثر من دخان إحراق الكتب.. قد يطفئ غلة
غضب طافح .. لكنه يظل رغم كل ذلك عملا همجيا
كان
الأولى بتلك الفئة المحرقة أن تكتفي بخطاب إمامها وهو يجدد في الرياض
معالم فقه جديد، ينتقد وفق تعبيره البدع والبعد عن الدين الإنساني
الشمولي، وكان الأولى بها أن تكتفي بحربها المسعورة ضد العلماء، وهجوماتها
الشرسة عليهم.. كان الأولى بها أن تناهض الخطاب الذي تصفه بالمتطرف بمواصلة
خطابها المتطرف، لتنتج خطابا مكان خطاب، مع فارق التوقيت والسمات والمكانة
والوزن والأسلوب.
لقد هددت حركة "إيرا"
قبل سنوات ..بسحل العلماء وحرقهم .. ووزع رئيسها السباب الجارح بحق الأحياء
والأموات ..وكررت الحركة التهديد بحرب ناسفة تهدد خضراء البلد، وتعيد
بناءه وفق رؤية مفزعة.. .. ثم شن مناضلوها حملة شرسة ضد الشيخ الددو لأنه
لم يتطابق معهم بشكل نصي في رؤيتهم لأزمة الرق في موريتانيا... وكانت آخر
صيحات نار الحنق المجنونة أن يحرقوا نسخا من كتب الشريعة الإٍسلامية.. تحمل
حروفها وأسطرها عشرات الآيات القرآنية ومئات الأحاديث النبوية والعلم
الشريف الذي أخرج الناس لقرون عديدة من ظلمة الجهل إلى بحبوحة النور.
قد
ننتقد - محقين - بعض الآراء الفقهية المحلية والجزئية التي تناولت ظاهرة
الرق، أو قضت أو أفتت في بعض نوازله، وقد نختلف مع ذهنية عامة تنتج الأحكام
قد
نقول إن فقهاء موريتانيا لا الفقه المالكي مقصرون في علاج مشكل الرق
وإعلان مواقف بالغة الوضوح في شأن هذه الأزمة التي تعصف بالبلد كله.. لكن
ذلك لن يدفع أي عاقل إلى إحراق كتاب فقهي أثير فاتحا بذلك باب سؤال مخيف هل
ستحرقون القرآن غدا إذا ما قرأت فيه " الحر بالحر والعبد بالعبد"... أو
تحرقون مسانيد الحديث لأنها أوردت كلمة لا يرضاها فريق الإحراق في الرياض.
نسى
الذين أحرقوا خليلا والحطاب وابن عاشر أن هؤلاء الأعلام ليسوا موريتانيين
ولا يتحملون بنص ولا مفهوم أي ذنب في تاريخ الاسترقاق البشع في هذه البلاد،
ولو تأملوا هذه النصوص لوجدوا فيها من ملامح الحرية ومعالم الأخوة ما
يمنحهم قوة شرعية لخطابهم وهو يسعى للقضاء على الرق.. لكن للأسف يبدو أن من
جهل شيئا أحرقه.
أما الشيخ خليل، فلن
يمس مكانته الرفيعة ولا علمه الأثير ألسنة اللهب الطائش ولا دخان النار
المجنونة فلا يزال دعاؤه يرن في آذان مئات الموريتانيين "الله أسأل أن ينفع
به من كتبه أو قرأه أو حصله أو سعى في شيء منه والله يعصمنا من الزلل
ويوفقنا في القول والعمل ثم أعتذر لذوي الألباب من التقصير الواقع في هذا
الكتاب وأسأل بلسان التضرع والخشوع وخطاب التذلل والخضوع أن ينظر بعين
الرضا والصواب فما كان من نقص كملوه ومن خطأ أصلحوه فقلما يخلص مصنف من
الهفوات أو ينجو مؤلف من العثرات"
وأما الشيخ الحطاب ..فلا
يزال في مكان علي لدى المسلمين في أقطار كثيرة من العالم ..وهي " مواهب
الجليل" لا تمنعها نار ..ولا يوقفها محرق...ومن يحرق الرسالة ... لم تبلغه
بعد الرسالة.
|
0 التعليقات:
إرسال تعليق